مرض الوَسْواس القَهْري

الوسواس القهري مرض من عائلة عُصاب القلق النفسي والتوتر، ويتكون من شقين رئيسيين هما: “الوساوس أو المخاوف” القهرية و”الأفعال” القهرية.

1- الوساوِس والمخاوف القهرية (اجترار الأفكار)

يأتي الاسم من قهر تلك الأفكار المرضية للنفس وإلحاحها في رأس المريض وسيطرتها على ما غيرها من أفكار دون إرادة من المريض، ذلك مع إدراك المريض واعتقاده أنها أفكار صادرة من عقله رَغـْما عنه كما أنها أفكار شاذة وغير مقبولة أو غير منطقية أو تافهة.

وهذا الوصف مهم في التشخيص والعلاج، حيث يفرَّق بين الوساوس وبين الضلالات المرضية التي تحدث في مرض الفصام، حيث يعتقد مريض الفصام في صحة الضلالة، حيث تكون الضلالة لدى المريض (الفصامي) اعتقاداً ثابتاً غير قابل للجدل فلا يقاومها بل يتصرف بناءً على صحتها.

أما مريض الوسواس القهري، فهو يرفض تلك الأفكار بل ويقاومها بقوة ولكنه لا يستطيع توقيفها حيث أنها مفروضة على إرادته فيشعر بالتوتر الشديد منها وبالكآبة، ويخاف على نفسه من الجنون ويستمر في مقاومتها لسنوات عديدة دون جدوى.

وغالبًا ما يأتي مريض الوسواس للعلاج بعد عدة سنوات من الأعراض خوفا من الاستجابة لهذه الأفكار وكثيرًا ما تأتي الوساوس في فكرة عدم النظافة والتلوث بالميكروبات أو في فكرة عدم الطهارة.

وهذه الوساوس لا تكون بالضرورة أفكاراً دينية لكن الأفكار التي تخالف معتقدات المريض تكون هي الأكثر إيلاما له، وقد تكون الوسوسة على درجة عالية من السخف والتفاهة بالنسبة للمريض كأن يفكر في شيء لا يعنيه بالمرة مما يجعله أكثر استياءً.

وقد تكون الوساوس مصدر خطورة يشعر بها المريض كأن تسيطر عليه فكرة أنه يمكن أن يذبح ولده بسكين لكنه أبداً لا يستجيب بتنفيذ تلك الأفكار وإنما يستجيب بمقاومة حدوثها بشتى الطرق فيقوم مثلا بإخفاء كل السكاكين من المنزل أو أن يتجنب القرب منها أو استخدامها.

وعندما يستجيب المريض للوساوس المرضية، فإنه يقوم بمقاومتها بفعل مضاد لها حيث إنه لا يقبلها فيتكون النوع الثاني من الأعراض وهي “الأفعال القهرية” مثل أن يكرر غسل الأيدي مرات عديدة رغما عنه استجابة للوسوسة أو أن يقضي وقتا مبالغاً فيه داخل الحمام أثناء الاستحمام أو أثناء الوضوء للصلاة نظراً لقيامه بتكرار الغسيل استجابة للوسواس القهري.

وقد وجد أن بعضا من الوساوس والأفعال القهرية موجودة عند معظم البشر بشكل طبيعي وأحيانا ما تكون سببا في الدقة والإتقان ولا تكون عائقا يسبب التردد والتكرار ولا تسبب أي معاناة،  وبالتالي فهي لا تستوجب العلاج.

2- الأفعال القهرية (الطقوس) والاندفاعات

هي أفعال تفرض نفسها بالرغم من عدم الرغبة في تكرارها، ومنشأها في الغالب الوساوس ولكنها قد تنشأ بمفردها دون مبرر يفسرها، ومثال للأفعال القهرية الناتجة عن الوساوس أن يخفي المريض كل السكاكين من المنزل خوفا من فكرة ذبح ابنه، التي يوسوس بها.

كما ينتشر بين مرضي الوسواس القهري تكرار غسل الأيدي والأواني خوفا من التلوث وهي أكثر الأعراض شيوعًا، وأيضًا تكرار التأكد من قفل الأبواب أو إغلاق نار الموقد أو تكرار مراجعة الأوراق والإيصالات والمستندات عشرات المرات مما يؤدي إلى تعطيل الأعمال وكثرة التردد.

 كما تدخل في نطاق أو طيف الوساوس القهرية العديد من الأعراض والأمراض المنتشرة نذكر بعضاً منها فيما يلي:

– وسواس الطهارة والنظافة.

– ظاهرة اقتلاع الشعر.

– وسواس الأكل والحمية.

– وسواس توهم المرض.

– وسواس الخيانة الزوجية.

– تكرار العادة السـرية الجنسية.

– الوسوسة المرَضية في الدين والعقيدة.

– الوساوس الجنسـية.

وتجدر الإشارة أنه لا يخلو شخص من وجود بعض الوساوس أو الأفعال القهرية لكنها لا ترقى لمستوى المعاناة الحقيقية ولا تستدعي التوجه للعلاج، كما أنها قد تكون مفيدة في بعض الأحيان.

علاج الوسواس القهري

قبل الشروع في علاج مرض الوسواس القهري، أولاً يجب التأكد من أن هذه الوساوس ليست من باب الضلالات الذُهانية، كالتي تحدث في مرض الفصام العقلي كما أنها ليست سمة طبيعية في الشخصية قبل الشروع في أي علاج.

كما يجب التأكد من تجاوز تلك الوساوس للحد الطبيعي الفاصل بين نمط الشخصية الوسواسة أو الطبيعية وبين الحالات المرضية التي تتطلب التدخل العلاجي.

فعندما يحدث ذلك التجاوز يتأثر أداء الشخص بتلك الوساوس فتجعله مترددًا وبطيئًا وغير قادر على إتمام عمله في الوقت المناسب بسبب التكرار والإعادة للتأكد من خلوه من الأخطاء كما قد تسبب له الحرج البالغ في العديد من المواقف.

كما تكون نلك الوساوس المرضية سبباً في شعور المريض بالتوتر الشديد، وبالمعاناة والاكتئاب وذلك عندما تزيد الوساوس أو الأفعال القهرية تدريجياً لتحتل الجزء الأكبر من حياته فيصاب بالإحباط الشديد لعدم قدرته على التخلص منها خصوصاً لو كانت تلك الوساوس تتناول أشياءً مهمة مثل صحة ما يقوم به من أعمال بما في ذلك أعمال العبادة كالوضوء والصلاة.

ويستجيب مريض الوسواس القهري في أغلب الأحيان استجابة هائلة لبعض الأدوية المتخصصة المتوفرة الآن في علاجه، هذا بالإضافة إلى الوسائل العلاجية الطبية الأخرى مثل الجلسات النفسية والعلاج المعرفي والسلوكي والتي قد تفيد بمفردها أحيانًا، ولكن النتائج الأفضل والأسرع تأتي دائما بإضافة الدواء للعلاج النفسي خصوصاً العلاج السلوكي، كما يمكن اللجوء للعلاج الجراحي كما ذكرنا في حالات معينة.

وقد تطول فترة العلاج مع طول فترة المرض قبل بدء العلاج ومع ظهور المضاعفات مثل الاكتئاب الشديد، ومع قناعة المريض بأنه فريسة للجن أو للشيطان، كما قد تتطلب الحالة علاجًا مزمنًا لأن المرض قد أصبح مزمنًا نتيجة للتأخر في بدء العلاج.

في حين أن الحالات التي تبدأ بالعلاج المبكر قد تتحسن في مدة قصيرة قد تصل لأسابيع قليلة خصوصا عندما يدرك المريض الفرق بين وسواس المرض وبين وسواس الشيطان، وعندما تزيد ثقته في كونه مريضاً له علاج وليس ضحية لوسوسة الشيطان مما يخفف من حدة أعراض الاكتئاب لديه مثل لوم النفس والشعور باليأس من مقاومة ذلك المخلوق الخفي.

 وسواس مرضي أم شيطاني

الوسواس القهري ما هو إلا مرض مثل بقية الأمراض لا علاقة له بالشيطان أو بالجن فالفرق واضح وشاسع بين ما يعانيه المرضى من وساوس قهرية وبين ما هو معروف لدينا من وساوس الشيطان.

ويمكننا أن نستنتج أن معظم الحالات التي تجهر بالشكوى من أعراض الوسواس على القنوات الفضائية والتي يتصدى لها المعالجون الدينيون وغيرهم بالنصيحة والفتوى ما هي إلا حالات من المرض النفسي التي هي بعيدة كل البعد عن ارتكاب المعاصي وغواية الشيطان.

حيث أن المصابين بمرض الوسواس القهري ينفرون من الفكرة التي يوسوسون بها ويعانون من خوف الوقوع في الزلل ومن تأثير ذلك على صحة عبادتهم مما يجعلهم يعيدون الوضوء مرات كثيرة أو يعيدون الصلاة نفسها لضمان صحتها ونجد أنهم في الغالب لا يتوقفون عن أداء الصلاة، فهم في حالة مستمرة من الجهاد من أجل الحفاظ على دينهم، كما نجدهم لا يجهرون بشكواهم لأهل الدين إلا لأنهم حريصون على دينهم…

في حين أن الوصف يختلف اختلافاً جوهرياً في حالة وسوسة الشيطان…

فنجد أن ضحية وسوسة الشيطان ”في الغالب” لا يستاء من الفكرة عند حدوثها، فقد زينها له الشيطان كما أنه لا يعجز عن مقاومتها كما يفعل مريض الوسواس القهري، فهو إما أن يقضى عليها بمجرد ذكر الله والتعوذ من الشيطان، أو أنه يستجيب لها طاعة لشهوته، مستمتعاً بما يفعله.

وربما قد يشتكي ضحية الوسوسة الشيطانية من ضعف مقاومته التي أدت لوقوعه في الزلل وبالتالي يكون علاجه في ممارسة العبادة، وتقوية النفس بالطاعات، والقراءة بتدبر وخشوع لبعض أو كل ما ورد من آيات وأدعية تدحر وسوسة الشيطان.

ويجب ألا ننسي أن تلك الأفعال التعبدية هي من أمور الحياة الطبيعية الواجبة على كل مسلم المريض منهم، ومن ليس به مرض.

ولذا يجب أن تكون النصيحة المُثلى من شيوخ الفضائيات لأصحاب حالات الوسواس القهري المرضي هي اللجوء للعلاج الطبي النفسي الذي يساعده على تأدية عبادته على الوجه الأمثل ولا يجب أن تكون النصيحة بالتأكيد على سيطرة الشيطان على المريض عن طريق النصح بالمبالغة في ممارسة الطاعات، لأن ذلك التناول لمرضى الوسواس القهري يضعف من همّتهم ويصيبهم بالكآبة ويزيدهم من لوم النفس لديهم، خصوصاً إذا ما قاموا بما تم نصحهم به من الشيوخ على الوجه الأكمل فلم تتحسن حالتهم.

وقد ذكر في الآيات القرآنية الكريمة أن الوسوسة لا تقتصر وسوسة الشياطين من الجن حيث أن هناك من يوسوس للناس أيضاً من شياطين الإنس، كما جاء في قوله تعالى:

﴿ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ*مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ ﴾[1]

ويجب أن يستوقفنا اقتران الوسوسة بكُل من (الجِنَة والناس) حتى يتأكد لدينا المعنى الحقيقي للمقصود فيها من الوسوسة الشيطانية وهو التزيين والغواية والأمر بالسوء والفحشاء، وإلا لكانت وسوسة الناس لبعضهم البعض من الممكن أيضا أن تؤدي لمرض الوسواس القهري.

أو لكان من المُمكن لشياطين “الإنس” أن يتلبسوا أبدان المرضى كما يُفترض عند المعالجين بالخرافة من دخول شياطين الجن إلى البدن!

كما نجد في قول الله تعالى ما يدل على تبادل التفاعل والتعاون بين كل من شياطين الإنس وشياطين الجن حيث أن الهدف مشترك وهو الغواية وتزيين الباطل، كما أن الوسيلة واحدة وهي الإيحاء والوسوسة فيقول الله تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ[2] 

مقارنة بين الوسواس المرضي ووسوسة الشيطان

وجه المقارنةالوسواس القهري (المرَض)الوسواس الشيطاني
الفكرة الوسواسيةدائماً مرفوضة ومُزعجةغالباً مقبولة ومُمتعة وجذابة
معاناة الشخصموجودة وشديدة ومستمرة بالرغم من ممارسة التعويذات والتحصين والسعي للتخلص منهاتتوقف المعاناة بممارسة التعويذات والتحصين ومعرفة الأحكام الشرعية وتطبيقها
مقاومة الشخصيقاوم بشدة ويرفضها لكنه لا ينتصر عليهاينتصر على الغواية بالمقاومة المبنية على التقوى والعقيدة
استجابة الشخص للفكرةيستجيب قهراً بأفعال “معاكسة” للوسوسة طاعة للمرض (تكرار الوضوء)يستجيب طوعاً بأفعال “متجاوبة” طاعة للشهوة
العلاجعلاج طبي ونفسيالتعوُّذ من الشيطان والطاعة لله وممارسة العبادة والطاعات كما ينبغي، والتوبة والعمل الصالح

جدول يوضح الفرق بين وسوسة المرض ووسوسة الشيطان.


[1]– الناس: 4،5،6

[2]– الأنعام: 112

مرض الوَسْواس القَهْري

الوسواس القهري مرض من عائلة عُصاب القلق النفسي والتوتر، ويتكون من شقين رئيسيين هما: “الوساوس أو المخاوف” القهرية و”الأفعال” القهرية.

1- الوساوِس والمخاوف القهرية (اجترار الأفكار)

يأتي الاسم من قهر تلك الأفكار المرضية للنفس وإلحاحها في رأس المريض وسيطرتها على ما غيرها من أفكار دون إرادة من المريض، ذلك مع إدراك المريض واعتقاده أنها أفكار صادرة من عقله رَغـْما عنه كما أنها أفكار شاذة وغير مقبولة أو غير منطقية أو تافهة.

وهذا الوصف مهم في التشخيص والعلاج، حيث يفرَّق بين الوساوس وبين الضلالات المرضية التي تحدث في مرض الفصام، حيث يعتقد مريض الفصام في صحة الضلالة، حيث تكون الضلالة لدى المريض (الفصامي) اعتقاداً ثابتاً غير قابل للجدل فلا يقاومها بل يتصرف بناءً على صحتها.

أما مريض الوسواس القهري، فهو يرفض تلك الأفكار بل ويقاومها بقوة ولكنه لا يستطيع توقيفها حيث أنها مفروضة على إرادته فيشعر بالتوتر الشديد منها وبالكآبة، ويخاف على نفسه من الجنون ويستمر في مقاومتها لسنوات عديدة دون جدوى.

وغالبًا ما يأتي مريض الوسواس للعلاج بعد عدة سنوات من الأعراض خوفا من الاستجابة لهذه الأفكار وكثيرًا ما تأتي الوساوس في فكرة عدم النظافة والتلوث بالميكروبات أو في فكرة عدم الطهارة.

وهذه الوساوس لا تكون بالضرورة أفكاراً دينية لكن الأفكار التي تخالف معتقدات المريض تكون هي الأكثر إيلاما له، وقد تكون الوسوسة على درجة عالية من السخف والتفاهة بالنسبة للمريض كأن يفكر في شيء لا يعنيه بالمرة مما يجعله أكثر استياءً.

وقد تكون الوساوس مصدر خطورة يشعر بها المريض كأن تسيطر عليه فكرة أنه يمكن أن يذبح ولده بسكين لكنه أبداً لا يستجيب بتنفيذ تلك الأفكار وإنما يستجيب بمقاومة حدوثها بشتى الطرق فيقوم مثلا بإخفاء كل السكاكين من المنزل أو أن يتجنب القرب منها أو استخدامها.

وعندما يستجيب المريض للوساوس المرضية، فإنه يقوم بمقاومتها بفعل مضاد لها حيث إنه لا يقبلها فيتكون النوع الثاني من الأعراض وهي “الأفعال القهرية” مثل أن يكرر غسل الأيدي مرات عديدة رغما عنه استجابة للوسوسة أو أن يقضي وقتا مبالغاً فيه داخل الحمام أثناء الاستحمام أو أثناء الوضوء للصلاة نظراً لقيامه بتكرار الغسيل استجابة للوسواس القهري.

وقد وجد أن بعضا من الوساوس والأفعال القهرية موجودة عند معظم البشر بشكل طبيعي وأحيانا ما تكون سببا في الدقة والإتقان ولا تكون عائقا يسبب التردد والتكرار ولا تسبب أي معاناة،  وبالتالي فهي لا تستوجب العلاج.

2- الأفعال القهرية (الطقوس) والاندفاعات

هي أفعال تفرض نفسها بالرغم من عدم الرغبة في تكرارها، ومنشأها في الغالب الوساوس ولكنها قد تنشأ بمفردها دون مبرر يفسرها، ومثال للأفعال القهرية الناتجة عن الوساوس أن يخفي المريض كل السكاكين من المنزل خوفا من فكرة ذبح ابنه، التي يوسوس بها.

كما ينتشر بين مرضي الوسواس القهري تكرار غسل الأيدي والأواني خوفا من التلوث وهي أكثر الأعراض شيوعًا، وأيضًا تكرار التأكد من قفل الأبواب أو إغلاق نار الموقد أو تكرار مراجعة الأوراق والإيصالات والمستندات عشرات المرات مما يؤدي إلى تعطيل الأعمال وكثرة التردد.

 كما تدخل في نطاق أو طيف الوساوس القهرية العديد من الأعراض والأمراض المنتشرة نذكر بعضاً منها فيما يلي:

– وسواس الطهارة والنظافة.

– ظاهرة اقتلاع الشعر.

– وسواس الأكل والحمية.

– وسواس توهم المرض.

– وسواس الخيانة الزوجية.

– تكرار العادة السـرية الجنسية.

– الوسوسة المرَضية في الدين والعقيدة.

– الوساوس الجنسـية.

وتجدر الإشارة أنه لا يخلو شخص من وجود بعض الوساوس أو الأفعال القهرية لكنها لا ترقى لمستوى المعاناة الحقيقية ولا تستدعي التوجه للعلاج، كما أنها قد تكون مفيدة في بعض الأحيان.

علاج الوسواس القهري

قبل الشروع في علاج مرض الوسواس القهري، أولاً يجب التأكد من أن هذه الوساوس ليست من باب الضلالات الذُهانية، كالتي تحدث في مرض الفصام العقلي كما أنها ليست سمة طبيعية في الشخصية قبل الشروع في أي علاج.

كما يجب التأكد من تجاوز تلك الوساوس للحد الطبيعي الفاصل بين نمط الشخصية الوسواسة أو الطبيعية وبين الحالات المرضية التي تتطلب التدخل العلاجي.

فعندما يحدث ذلك التجاوز يتأثر أداء الشخص بتلك الوساوس فتجعله مترددًا وبطيئًا وغير قادر على إتمام عمله في الوقت المناسب بسبب التكرار والإعادة للتأكد من خلوه من الأخطاء كما قد تسبب له الحرج البالغ في العديد من المواقف.

كما تكون نلك الوساوس المرضية سبباً في شعور المريض بالتوتر الشديد، وبالمعاناة والاكتئاب وذلك عندما تزيد الوساوس أو الأفعال القهرية تدريجياً لتحتل الجزء الأكبر من حياته فيصاب بالإحباط الشديد لعدم قدرته على التخلص منها خصوصاً لو كانت تلك الوساوس تتناول أشياءً مهمة مثل صحة ما يقوم به من أعمال بما في ذلك أعمال العبادة كالوضوء والصلاة.

ويستجيب مريض الوسواس القهري في أغلب الأحيان استجابة هائلة لبعض الأدوية المتخصصة المتوفرة الآن في علاجه، هذا بالإضافة إلى الوسائل العلاجية الطبية الأخرى مثل الجلسات النفسية والعلاج المعرفي والسلوكي والتي قد تفيد بمفردها أحيانًا، ولكن النتائج الأفضل والأسرع تأتي دائما بإضافة الدواء للعلاج النفسي خصوصاً العلاج السلوكي، كما يمكن اللجوء للعلاج الجراحي كما ذكرنا في حالات معينة.

وقد تطول فترة العلاج مع طول فترة المرض قبل بدء العلاج ومع ظهور المضاعفات مثل الاكتئاب الشديد، ومع قناعة المريض بأنه فريسة للجن أو للشيطان، كما قد تتطلب الحالة علاجًا مزمنًا لأن المرض قد أصبح مزمنًا نتيجة للتأخر في بدء العلاج.

في حين أن الحالات التي تبدأ بالعلاج المبكر قد تتحسن في مدة قصيرة قد تصل لأسابيع قليلة خصوصا عندما يدرك المريض الفرق بين وسواس المرض وبين وسواس الشيطان، وعندما تزيد ثقته في كونه مريضاً له علاج وليس ضحية لوسوسة الشيطان مما يخفف من حدة أعراض الاكتئاب لديه مثل لوم النفس والشعور باليأس من مقاومة ذلك المخلوق الخفي.

 وسواس مرضي أم شيطاني

الوسواس القهري ما هو إلا مرض مثل بقية الأمراض لا علاقة له بالشيطان أو بالجن فالفرق واضح وشاسع بين ما يعانيه المرضى من وساوس قهرية وبين ما هو معروف لدينا من وساوس الشيطان.

ويمكننا أن نستنتج أن معظم الحالات التي تجهر بالشكوى من أعراض الوسواس على القنوات الفضائية والتي يتصدى لها المعالجون الدينيون وغيرهم بالنصيحة والفتوى ما هي إلا حالات من المرض النفسي التي هي بعيدة كل البعد عن ارتكاب المعاصي وغواية الشيطان.

حيث أن المصابين بمرض الوسواس القهري ينفرون من الفكرة التي يوسوسون بها ويعانون من خوف الوقوع في الزلل ومن تأثير ذلك على صحة عبادتهم مما يجعلهم يعيدون الوضوء مرات كثيرة أو يعيدون الصلاة نفسها لضمان صحتها ونجد أنهم في الغالب لا يتوقفون عن أداء الصلاة، فهم في حالة مستمرة من الجهاد من أجل الحفاظ على دينهم، كما نجدهم لا يجهرون بشكواهم لأهل الدين إلا لأنهم حريصون على دينهم…

في حين أن الوصف يختلف اختلافاً جوهرياً في حالة وسوسة الشيطان…

فنجد أن ضحية وسوسة الشيطان ”في الغالب” لا يستاء من الفكرة عند حدوثها، فقد زينها له الشيطان كما أنه لا يعجز عن مقاومتها كما يفعل مريض الوسواس القهري، فهو إما أن يقضى عليها بمجرد ذكر الله والتعوذ من الشيطان، أو أنه يستجيب لها طاعة لشهوته، مستمتعاً بما يفعله.

وربما قد يشتكي ضحية الوسوسة الشيطانية من ضعف مقاومته التي أدت لوقوعه في الزلل وبالتالي يكون علاجه في ممارسة العبادة، وتقوية النفس بالطاعات، والقراءة بتدبر وخشوع لبعض أو كل ما ورد من آيات وأدعية تدحر وسوسة الشيطان.

ويجب ألا ننسي أن تلك الأفعال التعبدية هي من أمور الحياة الطبيعية الواجبة على كل مسلم المريض منهم، ومن ليس به مرض.

ولذا يجب أن تكون النصيحة المُثلى من شيوخ الفضائيات لأصحاب حالات الوسواس القهري المرضي هي اللجوء للعلاج الطبي النفسي الذي يساعده على تأدية عبادته على الوجه الأمثل ولا يجب أن تكون النصيحة بالتأكيد على سيطرة الشيطان على المريض عن طريق النصح بالمبالغة في ممارسة الطاعات، لأن ذلك التناول لمرضى الوسواس القهري يضعف من همّتهم ويصيبهم بالكآبة ويزيدهم من لوم النفس لديهم، خصوصاً إذا ما قاموا بما تم نصحهم به من الشيوخ على الوجه الأكمل فلم تتحسن حالتهم.

وقد ذكر في الآيات القرآنية الكريمة أن الوسوسة لا تقتصر وسوسة الشياطين من الجن حيث أن هناك من يوسوس للناس أيضاً من شياطين الإنس، كما جاء في قوله تعالى:

﴿ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس*الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ*مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ ﴾[1]

ويجب أن يستوقفنا اقتران الوسوسة بكُل من (الجِنَة والناس) حتى يتأكد لدينا المعنى الحقيقي للمقصود فيها من الوسوسة الشيطانية وهو التزيين والغواية والأمر بالسوء والفحشاء، وإلا لكانت وسوسة الناس لبعضهم البعض من الممكن أيضا أن تؤدي لمرض الوسواس القهري.

أو لكان من المُمكن لشياطين “الإنس” أن يتلبسوا أبدان المرضى كما يُفترض عند المعالجين بالخرافة من دخول شياطين الجن إلى البدن!

كما نجد في قول الله تعالى ما يدل على تبادل التفاعل والتعاون بين كل من شياطين الإنس وشياطين الجن حيث أن الهدف مشترك وهو الغواية وتزيين الباطل، كما أن الوسيلة واحدة وهي الإيحاء والوسوسة فيقول الله تعالى:

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ[2] 

مقارنة بين الوسواس المرضي ووسوسة الشيطان

وجه المقارنةالوسواس القهري (المرَض)الوسواس الشيطاني
الفكرة الوسواسيةدائماً مرفوضة ومُزعجةغالباً مقبولة ومُمتعة وجذابة
معاناة الشخصموجودة وشديدة ومستمرة بالرغم من ممارسة التعويذات والتحصين والسعي للتخلص منهاتتوقف المعاناة بممارسة التعويذات والتحصين ومعرفة الأحكام الشرعية وتطبيقها
مقاومة الشخصيقاوم بشدة ويرفضها لكنه لا ينتصر عليهاينتصر على الغواية بالمقاومة المبنية على التقوى والعقيدة
استجابة الشخص للفكرةيستجيب قهراً بأفعال “معاكسة” للوسوسة طاعة للمرض (تكرار الوضوء)يستجيب طوعاً بأفعال “متجاوبة” طاعة للشهوة
العلاجعلاج طبي ونفسيالتعوُّذ من الشيطان والطاعة لله وممارسة العبادة والطاعات كما ينبغي، والتوبة والعمل الصالح

جدول يوضح الفرق بين وسوسة المرض ووسوسة الشيطان.


[1]– الناس: 4،5،6

[2]– الأنعام: 112

مساعدة

Privacy Policy

Terms of Services

F.A.Q.

تواصل معنا

© 2024 Created by dsconsults