هي مجموعة من الأعراض النفسية التي تصيب المزاج أو الوجدان العاطفي، وتحدث على شكل فترات متناوبة من الهوس أو الاكتئاب، مع فترات من الاستقرار التام يبدو فيها المريض طبيعياً تماماً دون أي تدخل علاجي حيث تكون أعراض المرض، سواءٌّ أعراض الاكتئاب أو أعراض الهوس، في حالة من الهدوء أو الخمود التلقائي.
وقد تطول فترة الخمود أو الاستقرار تلك لعدة سنوات أو عدة أشهر أو أسابيع، أو قد تقتصر فقط على عدة أيام ليعاود المرض الظهور من جديد، فيوصف المرض حينئذ بكونه سريع التقلب.
كما تختلف فترة ظهور النوبات الاكتئابية أو نوبات الهوس ذاتها، فقد تطول أو تقصر، وقد تكون النوبات خفيفة أو شديدة، كما قد تختلط ببعض الأعراض الذهانية مثل الهلاوس والضلالات والهياج الشديد أو العنف.
وعندما تتزامن فترة خمود الأعراض (التلقائية) تلك مع فترة العلاج الخرافي قد ينخدع المعالجون بالخرافة أنفسهم بأنهم قد قاموا بتخليص ذلك البدن من مس الشيطان أو من لبس الجان، كما ينخدع أهل المريض بحدوث الشفاء، وبقدرة هؤلاء المعالجين.
وكذلك عندما تعاود أعراض المرض الظهور في نوبة أخرى فما أسهل تبرير ذلك بعودة الجني، وما أكثر ما يدعونه من أسباب وهمية.
أعراض نوبات الهَـوَس
وتتراوح حالات الهوس وتتدرج من حيث الشدة والحدة لتشمل العديد من الأعراض كما يلي:
– الإحساس الزائد بالنشوة والقوة والنشاط واستعمال ألوان متعددة وزاهية في الملابس.
– عدم الرغبة في النوم ومقاومته مع الشعور بالنشوة.
– الإحساس بالعظمة والمبالغة في تقدير الذات، وبالقدرة على التأثير على الآخرين من حوله.
– سهولة الاستثارة والنزعة للغضب وسرعة تقلب المشاعر والشك المفرط فيمن حوله.
– التعدي على الآخرين بالقول أو بالفعل وعدم احترام الرُتب الاجتماعية.
– الإنفاق ببذخ وإسراف، وشراء أشياء لا يحتاجها المريض.
– الأكل بشراهة وكثرة الشهوة الجنسية.
– تشتت الانتباه وعدم التركيز في هدف معين، ومحاولة القيام بأشياء متعددة في نفس الوقت.
– كثرة الكلام، وسرعته والانتقال أو القفز من فكرة لأخرى دون مبرر، أو رابط..
– الكلام بأسلوب شعري مستخدمًا القافية والتأليف والتلفيق أحيانًا، وقد يتحول النشاط الذهني المتزايد لحالة قد تصل إلى درجة من الإبداع الفني في بعض الحالات.
– انعدام الخجل، وعدم القدرة على كبح التصرفات أو عدم السيطرة على الاندفاعات الغريزية والكلمات البذيئة، مما قد يتسبب في مشاكل اجتماعية كبيرة.
– الهياج الشديد والعنف والقيام بأذى النفس أو بإيذاء الآخرين.
** باختصار شديد يكون المريض في حالة من فقدان القدرة على التحكم فيما يجول بخاطره من أفكار وإشارات كمن يفقد السيطرة على مقود السيارة عند خلل الكابح (الفرامل) ويظهر ذلك على سلوكياته بدرجات متفاوتة.
– النشوة المفرطة
في حالات شديدة من اضطراب الوجدان الهوسي، قد ينفصل المزاج عن الواقع، فنجد المريض في حالة من النشوة العالية والهادئة ويعيش في ملكوته الوجداني الخاص في حالة من الانفصال عن الواقع تشبه التحليق في الهواء Ecstasy فلا يستجيب لما حوله من مثيرات حسية، ويفقد التواصل الطبيعي مع الآخرين.
وهي حالة قريبة الشبه بما يحدث عند الاندماج في الخلوة الصوفية، مما يدفع البعض للاعتقاد أن مثل ذلك المريض ما هو إلا في حالة من “التواصل الإلـَهي”.
كما يسهل الاعتقاد بأنه تحت تأثير مس من الجن، خصوصاً أن هذه الحالة قد تنقلب فجأة إلى حالة من العنف الشديد والهياج المُدمـِّر.
نوبات الهَـوَس الحاد
الهوس هي حالة شديدة من فقدان السيطرة على الانفعالات والتصرفات في حالة من فرط النشاط البدني والذهني، والمبالغة في كل شيء، مما يجعل المريض في حالة يسهل وصفها بالجنون.
ويحدث هذا التغير الواضح دون وجود أي سبب مباشر، مثل تعاطي المريض بعض المخدرات أو الكحوليات، أو وجود أورام دماغية في المخ، أو وجود بؤرة صرعية (شحنات كهربية زائدة) قد تؤدي لحالات مشابهة من الاضطراب العقلي (معلومة السبب).
أنواع الاضطراب الوِجداني
1- الاضطراب الوجداني الهَوَسي
عندما تظهر نوبة أو نوبات من الهوس، دون تعرض المريض لأي نوبات اكتئابيه، وقد تحدث مرة واحدة ثم تختفي لمدة أسابيع أو تختفي لسنوات طويلة لتظهر من جديد، كما قد تعاود الظهور بسرعة، وقد تكون النوبة خفيفة الشدة أو شديدة، كما قد تكون مصحوبة بأعراض ذهانية مثل الضلالات أو الهلاوس أو العنف.
2- الاضطراب الوجداني الهوَسي ثنائي القطب
عندما تتبادل نوبات الهوس الظهور مع نوبات اكتئابيه ويكون بينهما فترات من الاستقرار التام قد تطول لعدة سنوات أو قد تقصر لعدة شهور ويطلق عليها في هذه الحالة “الهوَس الاكتئابي”
3- الاضطراب الوجداني المختلط:
عندما تكون أعراض الهوس مصحوبة بأعراض الاكتئاب، وملازمة لها في نفس الوقت (نفس النوبة) فنجد الحزن مع النشاط والشعور بالعظمة يختلط مع البكاء، وهكذا…
4- نوبات اكتئابية كبرى:
عندما تكون هناك نوبة من الاكتئاب الشديد يثبت فيما بعد أنها جزء من الاضطراب ثنائي القطب، كما قد نكتشف أثناء الفحص النفسي الدقيق حدوث نوبة سابقة من الهوس لم يتم رصدها في حينها حيث لم تستمر أعراضها لفترة طويلة، أو أنها كانت قليلة الأعراض.
5- الاضطراب الوجداني الفصامي:
عندما تختلط أعراض الهوس بأعراض الفصام العقلي في نفس الوقت، وبنفس القوة، فنجد النشاط الزائد والقفز في الأفكار مع ضلالات التحكم في التفكير والهلاوس السمعية أو ضلالات الاضطهاد مثلا.
علاج ثنائي القطب ( الاضطراب الوِجداني)
هو علاج دوائي بالدرجة الأولى أثناء النوبة، وينقسم لثلاثة أقسام:
- علاج نوبة الهوَس:
تستخدم فيه العقاقير المضادة للهوَس (مثل أملاح الليثيوم) بالإضافة إلى العقاقير المضادة للذهان (المطمئنات الكبرى) والمهدئات ومضادات القلق بالإضافة لمضادات الصرع ويختلف اختيار العلاج ومواصفاته حسب نوع النوبة وشدتها، وحسب وجود الأعراض الذهانية من عدمه، وأيضًا حسب العوامل الشخصية والوراثية.
ويكون الهدف العلاجي في هذه المرحلة هو سرعة السيطرة على أعراض الهوس، وما يصاحبها من سلوكيات مؤذية، حتى تهدأ الحالة، ثم يتم الانتقال لمرحلة العلاج الوقائي.
- علاج نوبة الاكتئاب:
تستخدم مضادات الاكتئاب بالإضافة لما سبق من علاج وفق نفس الشروط والقواعد، حتى يتم الخروج من أعراض الاكتئاب الحادة، ثم يتم الانتقال لمرحلة العلاج الوقائي.
- العلاج الوقائي في حالات الاضطراب الوجداني:
يكون الهدف منه هو منع حدوث النوبات المرضية مستقبلاً، أو على الأقل السيطرة على أعراضها لتكون تحت سيطرة المريض نفسه، ويبدأ بمجرد استقرار الحالة الحادة سواء من الهوس أو من الاكتئاب.
ويعتمد في الأساس على مضادات الهوس وعلى منظمات المزاج المعروفة، مع التبديل والتعديل بواسطة الطبيب النفسي المعالج، حتى تناسب كل مريض بعينه،
ويؤدي العلاج الوقائي إلى نتائج ممتازة في أغلب الحالات، وقد يستمر الاستقرار لسنوات طويلة في معظم الحالات، بشرط توافر الجرعات المناسبة والمحسوبة، والانتظام عليها وكذلك المتابعة النفسية المستمرة والمنتظمة، حيث يتم التعامل مع المرض كحالة مزمنة مثل أي مرض مزمن، مثل داء السكري أو ارتفاع ضغط الدم.
- العلاج بالكهرباء في مرضَى اضطراب الوجدان:
قد نلجأ إليه أحيانا في حالات الاكتئاب الشديدة، وحالات الانفصال بالنشوة أو في حالة فشل العلاج الدوائي ويحدد الطبيب عدد الجلسات حسب كل حالة.
5- العلاج المَعرِفي والسلوكي.
تكمن أهمية العلاج المعرفي والسلوكي لدى مرضى الاضطراب الوجداني في فترات الاستقرار والتعافي من النوبات ( فترات خمود الأعراض) حيث يخلو المريض من الأعراض، ويعود المريض للواقع فيكون من المفيد للمريض أن يفهم طبيعة مرضه.
وتهدف الجلسات المعرفية في تلك الحالات إلى التزام المريض بالعلاج والمتابعة، فيتعلم كيف يمكنه تجنب الأزمات التي قد تؤدي إلى حدوث انتكاسة، مثل الإجهاد الشديد والسهر المتواصل والانفعال الزائد.
كما تهدف حث المريض على التوجه للطبيب المعالج في الوقت المناسب، حيث يستطيع توقع الانتكاسة قبل تفاقم الأعراض، فيبادر بخطوات علاجية احترازية مع طبيبه المعالج.
أهمية التمييز بين نوع النوبات في الاضطراب الوجداني
تعتبر دقة التشخيص لما يحدث من نوبات في مريض الاضطراب الوجداني ذات أهمية كبرى للأسباب التالية:
– تعتمد نوعية العلاج وتركيبته الدوائية على التشخيص ونوع النوبة.
2- تختلف مضاعفات المرض لو تُرك بدون علاج باختلاف التشخيص.
3- تختلف القرارات المصيرية بالنسبة للمريض باختلاف التشخيص من حيث لياقته لوظيفة ما من عدمه أو في حالة تعرُّضِه لورطة قانونية قد تكون أعراض المرض هي سبب ما ارتكبه من مخالف أو حماقة مما يعفيه من المسئولية القانونية ويحتم عليه الخضوع للعلاج.